--------------------------------------------------------------------------------
[center] (( بين الصمت و الكلام ))
[center]
كنت دائما معارضة للصمت، كنت أفضل الكلام عليه، ففي الكلام سلوى للنفس، كم
مرة اعتبرت الصمت حاجزا يفصل بين السراب والحقيقة، بين الماضي والمستقبل،
بين العذاب والراحة. الصمت ما هو إلا جدار، يظللنا فنختبىء به، نخفي وراءه
جبنا لا داعي له، ونطمس على أركانه كلمات قدرها النور، ونصر على وضعها في
الظلام، نلوذ بالصمت كي نهرب من واقع مر، فهل هربنا من مر إلا للأمر!
نعم ... الصمت مر علقم، وعذاب كبير، كيف نطيق الصمت ونطبق أفواهنا على
حقائق لا خيالات، ونحبس مع أنفاسنا الكلمات التي ما زالت وما تزال تنتظر
الفرج. كانت هذه نظرتي للصمت، لكني منذ زمن ليس بالبعيد، بدأت باحترامه،
فصار الكلام عندي من الفضة، وإرتفع سعر السكوت فجاوز الذهب، صار تاجا من
وقار، وليس هذا في السخرية من شيء، ما أجمل الصمت وما أحوجنا إليه، حين
نحفظ به كرامتنا من أن تراق، وحين نحفظ به مقامنا في عيون من يحترمنا ومن
يحبنا عاليا.
نخفي وراءه أرق المشاعر، فترانا نخاف أن نجرح الآخرين أو نحزنهم، كان
الصمت جبنا، لكنه في أسوأ حالاته أفضل من أن نفرض أنفسنا بقسوة الكلمات،
هو الآن عندي كورق الهدايا المغلفة لأجمل الأشياء برقة وجمال، لا يفتح إلا
في الوقت المناسب، فإن لم يأت الوقت المناسب، فهو يحفظ لما في جوفه بريقه
ورونقه، وأحلى ما فيه، وحتى لا يقال صمت دهرا ......... ونطق كفرا.